رنات إسلامية
طرق حياة الحشرات

طرق حياة الحشرات

◂ تاريخ النشر : 2011/4/1
◂ مرات القراءة : 6310
◂ حجم المقالة : 16319 بايت
صوت للمقالة
أخبر صديقك
◂ التعليقات (0)

تصغير تكبير

طرق حياة الحشرات
حياة الحشرة مليئة بالأخطار، فقد تأكلها حشرة، أو طائر، أو أي حيوان آخر. أو قد يسحقها النّاس أو يحرقونها أو يسممّونها. وقد يتغذى بها أحد الطفيليات، أو قد تصيبها بعض الأمراض. وقد تُهْلِك موجة من الجفاف النباتات التي تتغذى بها الحشرات مما يؤدي إلى جوعها كما قد يهلكها الجو البارد.
وإذا نجت الحشرة وكثير من نوعها من تلك الأخطار، فسينفد الغذاء الذي تتغذى به ـ وسوف تموت الحشرة على أية حال.

ولذلك نشأت للحشرات طرق حياة عديدة خلال معركتها المستمرة من أجل البقاء. فلقد تأقلمت الحشرات على المعيشة تحت كلّ الظروف البيئية المعروفة. ونشأ لديها العديد من الوسائل للهروب من أعدائها. فالكثير من أنواع الحشرات يعتمد اعتمادًا كليّا على درجة تكاثره العالية للتغلب على مخاطر الحياة. وفي الحقيقة، تمضي غالبية الحشرات وقتها في الأكل والتكاثر، وكلِّ ما تفعله له صلة بهذين النشاطين تقريبًا.

التودّد. تجذب الحشرات رفاقها للتزاوج بوساطة العديد من الطرق. فتنبعث من إناث الكثير من أنواع العثّات روائح تجذب الذكور عبر مسافات طويلة في الغالب، كما أن لذكور أنواع عديدة من الفراشات أعضاء شم تستعملها لجذب الإناث، بينما تغني ذكور الجنادب، والجداجد، وزيز الحصاد، والجنادب الأمريكيّة لجذب الإناث، كما تفرز ذكور صراصير الأشجار سائلاً من خلف أجنحتها تتغذى به الإناث، وتجلب ذكور الذباب الراقص هدايا لإناثها من الحشرات التي تصطادها، بينما تجذب إناث بعض أنواع اليراعات الذكور بإصدار وميض على شكل شفرة معيّنة، فتستجيب ذكور بعض الأنواع بإرسال ومضات ضوئية وتنتظر من الإناث إرسال استجابات ضوئية.

الحياة الأسرية. ليس لدى العديد من الحشرات أية حياة أسرية، حيث يتلاقى الأبوان ـ فقط ـ للتزاوج، ثم بعد ذلك تضع الأنثى بيضها في مكان يتوفر فيه الغذاء للصغار وتتركه. ويخزن كثير من الزنابير والنمل الغذاء مع بيضه، بينما تضع الزّنابير الطفيليّة والذباب الطفيلي بيضها على الحشرات والحيوانات الأخرى أو قربها.

أما النغفة فتلصق بيضها بشعر الخيل، حيث تلحسها الخيل؛ لتفقس وتنمو يرقاتها داخل معدة الخيل، ثم تُطرح اليرقات كاملة النمو إلى الخارج مع فضلات الخيل. وتعتني إناث بعض الأنواع ببيضها، فمثلاً تُبقي حشرة إبرة العجوز بيضها نظيفًا وتحرسه إلى أن يفقس، ثم ترعى الصغار، كما تبقى بعض أنواع الخنافس مع صغارها لتحميها وتطعمها.

ولكنّ الحشرات ذات الحياة الأسرية الحقيقيّة هي الحشرات الاجتماعية، ومن بينها: كلّ أنواع النمل الأبيض (الأرضة)، وكل أنواع النمل والعديد من النحل وبعض أنواع الزنابير. فهي تعيش في مجتمعات منظمة يعتمد كلّ فرد فيها على الأفراد الآخرين، وما تلك المجتمعات إلا أسر كثيرة الأفراد. فمثلاً توجد ما يقرب من 60,000 إلى 80,000 حشرة من النحل في مستعمرة نحل واحدة، تنحدر جميعها من ملكة واحدة. وكذلك ملايين الأفراد الموجودين في مستعمرة نمل أبيض واحدة. فوظيفة الملكة ببساطة وضع البيض، بينما تقوم الحشرات ذات الأطوار المكتملة الأخرى في المستعمرة بمهمة التغذية والعناية بالصغار، وغالبية الحشرات ذات الأطوار المكتملة في المستعمرة لا تستطيع التكاثر وتسمّى الشغَّالات. وللنمل الأبيض شغالات من الجنسين كما يوجد بكل مستعمرة من مستعمراته ذكر دائم للتكاثر يدعى الملك. ولكن تكون كل الشغالات في حالة النمل والنحل والزنابير من الإناث، كما يوجد في مستعمرات تلك الحشرات ذكور لأوقات معينة ـ فقط ـ وظيفتها الوحيدة التزاوج مع الملكة. وتموت بعد ذلك مباشرة، فللشغَّالات في المستعمرة أعباء مختلفة، حيث تقوم الحاضنات برعاية الصغار، وتقوم الحارسات بالدفاع عن المستعمرة من هجمات الأعداء، بينما تبحث بعض الشغالات عن الطعام، وتقوم أخريات بنظافة وتوسيع العش.

ولعل النمل من أنجح الحشرات الاجتماعية، إذ لديه العديد من طرق الحياة. فبعض النمل يربي حشرات قمل النبات وبعض اليساريع والحشرات الأخرى لكي يمتص منها سوائلها الحلوة. بينما يقوم النمل الحاصد بجمع الحبوب وتخزينها في بيوته، وتقوم بعض من أنواع النمل، مثل النمل قاطع الأوراق بزراعة طعامه بنفسه، حيث يزرع مزارع فطرٍ صغيرة داخل بيوتها. ويقوم النمل اللص بسرقة الطعام من أعشاش غيره، بينما تهاجم أنواع من النمل بيوت النمل الأخرى وتسرق الصغار وتربيها في بيوتها كعبيد لها. ويعيش نمل الجيوش أساسًا على صيد الحشرات الأخرى، فهي تزحف على الأرض في مئات الآلاف، وتأكل كل الحشرات التي تقابلها في طريقها، كما تهاجم أيضًا الفئران والسّحالي أو أية حيوانات أخرى، وذلك بالالتفاف حولها في تشكيلات عديدة كذراعي كماشة، فإذا لم يستطع الحيوان الهروب من حلقة النمل التي تضيق عليه باستمرار، فإنه يُمزَّق بسرعة إلى قطع صغيرة.

تتصل الحشرات الاجتماعية فيما بينها عن طريق الصوت واللّمس والرّائحة، ويستخدم نحل العسل الرقص لإخطار بقيّة أفراد الخليّة عن اتجاه ومسافة مصدر الغذاء.

السبات الشتوي والهجرة. يموت كثير من الحشرات عند اقتراب الشتاء، ولكن كثيرًا منها تعيش خلال البرد في حالة سبات شتوي، في طور البيضة، أو اليرقة، أو الخادرة. كما يدخل في السبات الشتوي كثير من الحشرات المكتملة النمو بما فيها الذباب المنزلي، والبعوض، والدعاسيق، وبعض العثات والفراشات، حيث تمضي الشتاء في حظائر المزارع وفي المخازن وأسقف الغرف والكهوف وتجاويف الأشجار والأنفاق الأرضيّة والمناطق المحميّة الأخرى.

تتجمع كل فرق الفراشات الملكية بالقارة الأمريكية الشمالية بكميات هائلة لتطير في سحب كثيفة جنوبًا، حيث تمضي الشتاء في المناطق المداريّة أو شبه المداريّة، ثم تعود للشمال في الربيع. وتضع البيض في طريق عودتها، وقليل منها يعيش ليكمل الرحلة إلى الشمال. وتكمل الصغار رحلتها شمالاً بعد وصولها للطور المكتمل. وتهاجر فراشات السيدة الملَوَّنة وأنواع عديدة أخرى من الفراشات كلّ موسم، كما تهاجر بعض أنواع العثّات مثل عثة بوجُنْج الأسترالية.

وتقوم أنواع عديدة من الحشرات الأخرى برحلات هجرة طويلة أيضًا، وأشهر ما يقوم بتلك الرحلات الجراد الذي يهاجر في أسراب كبيرة تحجب ضوء الشمس. ولا يهاجر الجراد بسبب الجوع، بل قد يغادر أراضي بها الغذاء الوفير، ولا يتوقف للتغذية خلال معظم طيرانه الطويل. وعند هبوطه واستقراره فإنه يهلك كلّ النباتات ولا يترك منها شيئًا.

الوقاية من الأعداء للحشرات العديد من وسائل الدفاع عن النفس ضد الأعداء. ومعظم الحشرات تحاول ببساطة الهروب والطيران بسرعة، أو القفز، أو العدو بسرعة بعيدًا عن الأعداء. ويبدو كثير من اليساريع والخنافس في هيئة حشرات ميّتة، أو تتخذ أسلوب تهديد تخيف به العدو.

وللعديد من الحشرات أسلحة قويّة للدفاع عن النفس، فبعضها يشن حربًا كيميائية: فيقذف مواد كيميائية ضارّة نحو أعدائه مثل الخنفساء المدفعجية، وحشرات لمة الأذن، والصراصير، والعديد من الحشرات الأخرى. بينما يصدر كلّ من البقّ المرقط (النتن) والحشرات شبكية الأجنحة وخنافس الجيف روائح كريهة جدّا تطرد الأعداء. ولبعض أنواع النمل وذباب الخيل (ذباب التبانا) وأنواع أخرى من الحشرات فكوك قوية تلسع بها لسعًا مؤلمًا. ولدى النحل والزنابير وبعض أنواع النمل أدوات لسعٍ سامة. ولبعض اليساريع شعيرات جوفاء تحتوي على سمّ تنكسر عند أخف لمسة، باثة للسّم. ويحمي بعض الفراشات، والعثات، والحشرات الأخرى، مجردُ طعمها الرّديء عند الطيور أو الأعداء الآخرين.

ويهرب العديد من الحشرات من أعدائه؛ لأن لونه أو شكله يتأقلم تمامًا مع الوسط البيئي الموجود فيه، لدرجة لا يلاحظها الأعداء، فمثلاً حينما تكون العثات في حالة استرخاء على جذوع الأشجار لا يمكن تمييزها عن لحاء تلك الأشجار، وبعضها يشبه براز الطّيور الموجود على جذوع الأشجار بصورة لا يمكن تمييزها عنه. بينما تشبه الحشرات العصوية وكثير من اليساريع أغصان الأشجار بحيث يصعب جدّا تمييزها عنها. وحينما تطوي فراشة الأوراق بجناحيها فقد تبدو وكأنها ورقة شجرة ميتة جافة.

ولدى بعض الحشرات ذوات الأسلحة الدفاعية القوية مثل أدوات اللسع السّامة والرّش الكيميائي، أنماط لونيّة براقة، فلدى الكثير من النحل والزنابير خطوط صفراء وسوداء، فإذا هاجمها حيوان ما مرة واحدة وجرب لسعها، فإنه لن يجرؤ على المحاولة مرة أخرى ضد من لديه تلك الخطوط الصفراء والسوداء؛ فتلك الخطوط تجعله يتذكر أن تلك الحشرات خطرة جدًا.

وتماثل الكثير من الحشرات، التي ليس لديها أسلحة دفاعية قويّة، الأنماط اللونية المميزة للحشرات ذات الأسلحة الدفاعية، وبذلك ينخدع بها الأعداء ولا يجرؤون على مهاجمتها، وتسمى تلك الحشرات المتنكرات. وتشمل المتنكرات الشائعة بعض أنواع الذباب الرفراف، والخنافس، وذباب ذكور النحل. وكلها تشبه النحل أو الزنابير. ومن أشهر المتنكرات الفراشة نائب الملك التي تشبه الفراشة الملك، وبذلك تدع الطيور الفراشة نائب الملك وشأنها، ولا تحاول أكلها، معتقدة أنها الفراشة الملك ذات الطعم غير المستساغ لديها. وهكذا تشبه بعض الحشرات ذات الحماية الجيّدة حشرات أخرى ذات حماية جيّدة أيضًا، فللكثير من الزّنابير ـ من أنواع مختلفة ـ الحلقات السوداء والصفراء نفسها الموجودة في منطقة البطن. وبتنكرها ـ بأشكال البعض الآخر ـ تكسب الحشرات ذات الحماية حماية فوق حمايتها

لماذا تسلك الحشرات سلوكها المميز. حياة معظم الحشرات مكتملة النمو قصيرة جدًا. ولذا لا تستطيع الحشرات الصغار التعلم من آبائها، وفي كثير من الأحيان تموت الحشرات ذات الأطوار مكتملة النمو قبل ولادة الصّغار، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحشرة الصغيرة ليست في حاجة إلى تعلّم ما تريد. وذلك لأن كلّ أنماط سلوك الحشرة موروثة، مبنية بإحكام داخل جهازها العصبي، ولذا فهي تتفاعل بصورة تلقائية مع بيئتها. فإذا أضيء مصباح ما، فإن العثة تتجه نحوه بتلقائية، ولكنّ الصرصور يفرّ هاربًا منه. كما تجذب رائحة الفاكهة المفرطة في النضج ذباب الفاكهة مثلما تجذب الحرارة المنبعثة من أجسام الحيوانات ذات الدم الحار البراغيث.

وغالبًا ما تظهر الحشرات ذكاءها وإلمامها ـ تمامًا ـ بكنه ما تفعل، فمثلاً حينما تكون أنثى الزّنبور الانعزالي جاهزة للتكاثر، تبحث عن المكان المناسب لبناء العش وبعد بناء العش، تبحث عن الفريسة المناسبة ـ عنكبوت أو يسروع ـ عن طريق أداة اللسع السامة، ثم تشل الضحية وتحملها إلى العش، ثم تضع عليها بيضها وتفقس يرقة تتغذى بالضحية، ثم تسد العش وتخفيه. كل ذلك تفعله أنثى الزنبور تلقائيا وبالفطرة الإلهية دون أن تتعلمه.

وتستطيع الحشرات التعلم، حيث يمكن لنحلة العسل أن تتعلم ربط لون معيّن بالطعام، كما تتعرف ـ تمامًا ـ على النقاط الشهيرة حول خليتها. وعمومًا تتصرف الحشرة المعيّنة في النوع المعين على حسب النمط السلوكي المتوارث لديها، ولقد نشأت تلك الأنماط السلوكية عبر قرون عديدة.
والله اعلم.
الكلمات المفتاحية :
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
من متواجد الآن
107 متواجد (9 في معلومات وبحوث)

عضو: 0
زائر: 107

المزيد
x